انخفاضات حادة في مؤشرات البورصة العالمية وسط ضبابية اقتصادية



سجلت مؤشرات البورصة العالمية خسائر كبيرة، حيث تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بأكثر من 3.1% خلال أسبوع واحد، وهو التراجع الأكبر منذ بداية العام، فيما سجل "ناسداك" انخفاضًا بلغ 4.5%، متأثرًا بانخفاض أسهم شركات التكنولوجيا التي بدأت تواجه تباطؤًا في الأرباح بسبب تراجع الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع كلفة التمويل.

 وفي هذا السياق يقول الاقتصادي الأمريكي الشهير بول كروغمان إن المؤشرات الحالية "تعكس قلقًا عميقًا من مستقبل الاقتصاد العالمي، لا سيما في ظل الإشارات السلبية القادمة من قطاعي التصنيع والخدمات في كل من أوروبا وآسيا"، مضيفًا أن "الركود بات احتمالًا قائمًا بقوة وليس مجرد سيناريو نظري".

ومن جانبه أشار محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في "أليانز"، إلى أن الأسواق تمر بمرحلة من الضبابية المتزايدة، حيث يصعب على المستثمرين التنبؤ باتجاهات السياسة النقدية للبنوك المركزية، خصوصًا مع تباين تصريحات المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي. 

وأضاف العريان: "ما يقلق الأسواق ليس فقط ارتفاع أسعار الفائدة، بل غياب رؤية واضحة لما بعد هذه المرحلة، مما يخلق بيئة خصبة للتقلبات وتراجع الثقة".

وعلى صعيد السياسات النقدية، لا تزال البنوك المركزية تلوّح بمزيد من التشديد المالي لكبح التضخم، وهو ما يعمّق الضغوط على الشركات والأسواق الناشئة، وقد حذرت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من أن أوروبا "ليست بمنأى عن تأثيرات التباطؤ العالمي"، وأكدت أن البنك سيتخذ "ما يلزم من قرارات لحماية الاستقرار النقدي، مع إدراك المخاطر التي قد يسببها التباطؤ الاقتصادي للقطاعات الإنتاجية".

وفي الأسواق الناشئة، بدأت تظهر علامات الضغط بشكل أكثر وضوحًا، حيث شهدت عملات مثل الليرة التركية والبيزو الأرجنتيني تراجعًا ملحوظًا أمام الدولار، في حين ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية في عدد من الدول النامية.

 وقال راجيش شاه، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بنك HSBC، إن "البيئة العالمية أصبحت أقل دعمًا لتلك الأسواق، وقد نشهد موجة جديدة من خروج رؤوس الأموال في حال استمر الدولار في قوته الحالية".

من جهة أخرى، عادت أسعار النفط والذهب إلى الارتفاع، حيث يُنظر إليهما كملاذات آمنة في ظل الاضطرابات. وقد تجاوز سعر أونصة الذهب حاجز 2,a hundred دولار لأول مرة منذ شهور، في حين بقيت أسعار النفط متقلبة نتيجة الخلافات داخل أوبك  من جهة، واستمرار المخاوف من تباطؤ الطلب العالمي من جهة أخرى.

 حيث أشارتقرير حديث صادر عن مؤسسة "جي بي مورغان" إلى أن "الطلب على الذهب مرشح للارتفاع في الفترة القادمة، ليس فقط لأغراض التحوّط، بل أيضًا بسبب تراجع العوائد الحقيقية على أدوات الدين".

تشير المؤشرات الكلية الى تباطؤ الإنتاج الصناعي إلى تراجع معدلات ثقة المستهلكين، تعزز من فرضية الدخول في ركود اقتصادي، وهو ما دفع بعض المؤسسات المالية العالمية إلى مراجعة توقعاتها للنمو في 2025.

 وإذ خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي إلى 2.4% بدلًا من 2.9%، محذرًا من أن "استمرار التوترات التجارية، وارتفاع تكاليف الديون، والتقلب في أسواق السلع، يشكلون تهديدًا فعليًا للنمو والاستقرار المالي العالمي".

أما في الصين، التي تُعد من أكثر الاقتصادات مراقبة في المرحلة الحالية، فقد أشار تشين ليانغ، الخبير الاقتصادي في بنك الصين الشعبي، إلى أن "تباطؤ الطلب العالمي بدأ ينعكس على الصادرات الصينية بشكل واضح"، لافتًا إلى أن بكين تدرس حزمة تحفيز جديدة تستهدف البنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة لتجنّب تراجع حاد في معدلات النمو.

وفي الشرق الأوسط، صرّح محافظ البنك المركزي الإماراتي، خالد محمد بالعمى، أن الاقتصاد الخليجي يتمتع حتى الآن بهامش حماية نسبي بفضل الفوائض النفطية، لكنه حذر من أن "استمرار التقلبات في أسعار الطاقة وتباطؤ الطلب العالمي يمكن أن ينعكس سلبًا على الإيرادات العامة والسيولة في السوق"، مشددًا على أهمية التنويع الاقتصادي واحتواء التضخم المحلي.

كما أدلى أندريا إنريا، رئيس الهيئة المصرفية الأوروبية، بتصريحات اعتبر فيها أن القطاع المصرفي الأوروبي "دخل هذه المرحلة بأوضاع مالية أكثر متانة مما كانت عليه في الأزمات السابقة"، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن "تراكم القروض المتعثرة مجددًا قد يهدد استقرار بعض البنوك في حال استمر التباطؤ لفترة طويلة".

ورغم التحذيرات والتقارير القاتمة، يرى بعض الخبراء بارقة أمل مشروطة في النصف الثاني من العام، إذا ما تمكّنت الحكومات والبنوك المركزية من تنسيق جهودها لتقليل حدة التشديد المالي، وتعزيز الاستثمار الإنتاجي، لكن وفقًا لما قاله كبير استراتيجيي الاستثمار في بنك مورغان ستانلي، جيمس هانتر، فإن "الأسواق بحاجة إلى وضوح، لا إلى مسكنات مؤقتة. أي حل قصير الأمد سيؤجل الانهيار فقط، ولن يلغيه".






إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال