شهد الشمال السوري تطورات ميدانية كبيرة خلال الساعات الماضية، مع استمرار الاشتباكات العنيفة بين الفصائل المسلحة المعارضة وقوات النظام السوري المدعومة من ميليشيات إيران والطيران الحربي الروسي. وتمكنت الفصائل من إحراز مكاسب جديدة على عدة محاور، خاصة في ريفي إدلب وحلب، ما يشكل تحولاً نوعيًا في المشهد العسكري الذي ظل ثابتًا إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة.
|
السيطرة على أجزاء من طريق M5 الدولي |
تقدم كبير للفصائل السورية، "نجحت الفصائل في السيطرة على أجزاء من طريق M4 الاستراتيجي غرب إدلب"، وذلك بعد معارك عنيفة شهدتها المنطقة. كما تمكنت الفصائل من بسط سيطرتها على بلدتي "داديخ" و"كفربطيخ" في ريف إدلب الشرقي. السيطرة على هذه البلدات تأتي في إطار جهود الفصائل لقطع خطوط الإمداد بين قوات النظام والميليشيات المتمركزة في محيط مدينة إدلب، والتي تعد واحدة من آخر معاقل المعارضة السورية.
وفي خطوة لافتة، استطاعت الفصائل تحقيق تقدم كبير على طريق M5 (حلب – دمشق الدولي)، وهو الطريق الذي ظل خاضعًا لسيطرة النظام منذ أكثر من خمس سنوات. السيطرة على أجزاء من هذا الطريق تعني إحداث اضطراب كبير في حركة الإمدادات العسكرية لقوات النظام بين العاصمة دمشق ومحافظة حلب.
تقدم في ريف حلب الغربي
على جبهة ريف حلب الغربي، واصلت الفصائل المعارضة تقدمها بشكل ملحوظ. وتمكنت من السيطرة على منطقة ريف المهندسين الأول، لتقترب بذلك من مدينة حلب التي باتت تفصلها عنها بضعة بلدات فقط، أبرزها "خان العسل". وتعد خان العسل نقطة استراتيجية هامة كونها البوابة الغربية لمدينة حلب.
كما سيطرت الفصائل على مناطق أخرى في ريف حلب، منها جمعيات الرضوان وأولي الألباب وريف المهندسين الثاني، بالإضافة إلى "بلدة الشيخ علي". وترافقت هذه المعارك مع عمليات نوعية للفصائل، حيث أعلنت كتائب "شاهين" التابعة لها تدمير مربض لراجمات الصواريخ داخل مدرسة الشرطة في "خان العسل"، والذي كان يستخدم لقصف المناطق الخاضعة للمعارضة.
تصاعد القصف الجوي
بالتزامن مع تقدم الفصائل المعارضة، شهدت مناطق ريفي إدلب وحلب قصفًا جويًا ومدفعيًا مكثفًا من قبل النظام السوري وحلفائه. واستهدفت الطائرات الروسية مدينة "دارة عزة"، في ريف حلب الغربي، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى بين المدنيين. وشهدت المدينة، إلى جانب مناطق أخرى في ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي، تصعيدًا غير مسبوق في وتيرة القصف، الذي وصفه شهود عيان بأنه "عشوائي ومكثف".
الهجمات الجوية رافقتها أيضًا ضربات مدفعية وصاروخية استهدفت خطوط الإمداد والطرق المؤدية إلى خطوط التماس في عدة محاور. ويأتي هذا التصعيد في محاولة واضحة من النظام وحلفائه لعرقلة تقدم الفصائل المعارضة ومنعها من إحكام سيطرتها على الطرق الاستراتيجية.
عملية "رد العدوان"
في خضم هذه التطورات، أعلنت "هيئة تحرير الشام"، أكبر الفصائل المعارضة في المنطقة، إطلاق عملية عسكرية جديدة أسمتها "رد العدوان". وأكدت الهيئة أن العملية تستهدف مواقع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في ريف حلب الغربي.
وفي تصريح أدلى به القيادي في إدارة العمليات العسكرية التابعة لهيئة تحرير الشام، حسن عبد الغني، قال إن "العملية تهدف إلى كسر مخططات العدو عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة". وأضاف أن التحركات الأخيرة لقوات النظام والميليشيات تشكل تهديدًا مباشرًا للمناطق الخاضعة للمعارضة، مشيرًا إلى أن العملية تأتي في ظل ارتفاع وتيرة القصف الذي يطال المدنيين والبنية التحتية في الشمال السوري.
وبحسب تقارير ميدانية، تركزت الاشتباكات على عدة محاور في ريف حلب الغربي، منها مناطق الأتارب وقبتان الجبل. واستمرت المعارك لساعات طويلة وسط محاولات مستمرة من النظام لاستعادة السيطرة على المواقع التي فقدها.
الانعكاسات الإنسانية
التصعيد العسكري الأخير لم يكن دون ثمن إنساني باهظ. فقد أجبرت الغارات الجوية المكثفة والقصف المدفعي العشوائي آلاف العائلات على النزوح من مناطقهم. وأفادت منظمات حقوقية أن موجة النزوح الأخيرة تضاف إلى أزمة إنسانية متفاقمة يعاني منها الشمال السوري، حيث يعيش آلاف النازحين في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
كما أن استهداف المناطق المدنية بالصواريخ والبراميل المتفجرة تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى خلال الأيام الماضية. وناشدت منظمات إغاثية المجتمع الدولي للضغط على الأطراف المتصارعة لوقف استهداف المدنيين والبنية التحتية.
دلالات التقدم العسكري
التقدم الذي أحرزته الفصائل المعارضة على محاور إدلب وحلب يعكس قدرة هذه الفصائل على الاستفادة من التنسيق العالي فيما بينها، رغم محدودية الدعم الخارجي. كما أن السيطرة على أجزاء من طريقي M4 وM5 تشير إلى تحول في ديناميكيات الصراع، حيث تحاول الفصائل فرض معادلة جديدة على الأرض من خلال قطع خطوط الإمداد وإضعاف قدرة النظام على المناورة.
في المقابل، يعكس القصف المكثف من قبل الطيران الروسي والنظام السوري استراتيجية الردع التي يعتمدها النظام في مواجهة تقدم الفصائل. ورغم ذلك، تبدو المعارضة المسلحة مصممة على المضي قدمًا في عمليتها "رد العدوان"، وسط توقعات بمزيد من التصعيد العسكري في الأيام المقبلة.
وكما وصف النظام السوري الهجوم بأنه "انتهاك لاتفاق خفض التصعيد" متهماً جهات إقليمية ودولية بتحريض فصائل المعارضة عليه
في العموم المشهد في الشمال السوري يزداد تعقيدًا مع كل يوم، في ظل استمرار المعارك وتصاعد القصف وتدهور الوضع الإنساني. وبينما تسعى الفصائل لتحقيق مكاسب ميدانية جديدة، يحاول النظام وحلفاؤه استخدام القوة الجوية لوقف زحف المعارضة. ومع غياب الحلول السياسية، يبقى المدنيون في الشمال السوري هم الضحية الأكبر لهذا الصراع المستمر.