مع الإعلان عن فوز دونالد ترامب بولاية جديدة، تتجه أنظار السوريين إلى واشنطن، بترقب مشوب بالأمل والحذر، لمعرفة ما قد تجلبه سياساته تجاه الأزمة السورية، التي تدخل عامها الثالث عشر دون حلول جذرية. لطالمه أرتكبت الإدارة الأمريكية بقيادة "جو بايدن"، أنتهكات فظيعة بحق الشعب السوري وشعوب المنطقة في شرق الأوسط، ينتظر السوريون اليوم ما ستؤول إليه خطوات ترامب في الملفات الرئيسية المرتبطة بسوريا، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت سياسته ستكون مختلفة في هذه الولاية.
وهل سيشهد الوضع في سوريا تغيرات ملموسة؟ أم أن الأمور ستبقى على حالها، مما يزيد معاناة الملايين من السوريين في الداخل ودول اللجوء وحول العالم في ظل التهديدات المستمرة بإعادتهم إلى بلادهم.
النفوذ الإيراني.. أمل السوريين في تقليصه
منذ توليه منصب الرئاسة، انتهج "ترامب" سياسة مواجهة مباشرة تجاه إيران، معتبرًا أن تقليص نفوذها في منطقة الشرق الأوسط أولوية استراتيجية لأمريكا وحلفائها. تواجد إيران في سوريا، الذي تصاعد بشكل كبير منذ اندلاع الثورة السورية، بات يشكل هاجساً لدى المعارضة السورية التي تنظر لهذا الوجود كجزء من تعقيد المشكلة، ومن ضمن الأسباب الأساسية لاستمرار الصراع. يرى البعض أن استمرار ترامب على رأس الإدارة الأمريكية قد يعزز الضغوط العسكرية والسياسية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وربما يدفع إلى فرض عقوبات أشد أو استهداف مباشر للوجود الإيراني هناك.
على الرغم من عدم اتخاذه خطوات كبيرة سابقاً في هذا الاتجاه، إلا أن عودة ترامب للبيت الأبيض تجعل بعض السوريين يأملون بتبني سياسات أكثر حزماً، قد تساهم في تقليل التدخل الإيراني، والذي يعتبرونه عاملاً مؤججاً للنزاع في سوريا ومانعاً لأي حل سياسي مستدام.
دعم الإنفصاليين.. بين التحالف والمصلحة
القضية الكردية والأحزاب الإنفصالية في سوريا تبرز كنقطة حساسة أخرى في سياسة ترامب الشرق أوسطية، فالإنفصاليين يمثلون حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في الحرب على داعش، إذ يعتمدون على الدعم الأمريكي للحفاظ على مكاسبهم في شمال شرق سوريا. ومع ذلك، فإن ترامب معروف بسعيه لتقليل الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، مما أثار سابقًا مخاوف بشأن مدى استمرار الدعم الأمريكي للمقاتلين الأحزاب الإنفصالية.
العديد من الإنفصاليين ينتظرون أن يحافظ ترامب على مستوى معين من الدعم لهم، خاصة في مواجهة التحديات المتزايدة من روسيا وإيران، إلى جانب الضغوط التركية التي تسعى للحد من النفوذ المقاتلين الإنفصاليين في شمال سوريا. يرى البعض أن إدارة ترامب قد تلجأ إلى استراتيجيات دعم مرنة، بحيث تحافظ على نفوذها في المنطقة عبر الإنفصاليين، دون التورط المباشر ميدانياً، مما قد يساهم في استقرار نسبي بمناطق شرق الفرات.
روسيا.. هل يعيد ترامب الضغط عليها
فيما يتعلق بالدور الروسي في سوريا، يتطلع السوريون إلى معرفة موقف ترامب من حليف النظام السوري الأقوى. كانت روسيا خلال السنوات الماضية قد عززت وجودها في سوريا، وساهمت في تثبيت النظام السوري عسكريًا، مما صعب على المعارضة أي تقدم سياسي أو عسكري ملحوظ. وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أن عودة ترامب قد تعني تصاعد العقوبات الاقتصادية على روسيا، وربما زيادة الدعم للقوى المعتدلة المناهضة للنظام السوري، ما من شأنه أن يحد من التأثير الروسي المستمر.
ولكن، تجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب السابقة لم تتخذ خطوات ملموسة لزيادة الضغوط على روسيا في الملف السوري، مما يثير بعض الشكوك لدى السوريين حول مدى جدية إدارته الجديدة في مواجهة النفوذ الروسي. ويظل السؤال قائماً: هل ستنتهج إدارة ترامب الجديدة موقفاً أكثر تشدداً، أم أن سوريا ستظل مسرحاً مفتوحاً لنفوذ روسيا؟
اللاجئون السوريون.. آمال بتحسين ظروفهم
على صعيد آخر، لا تزال قضية اللاجئين السوريين في دول الجوار مسألة حساسة. يعيش ملايين اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة، معتمدين على الدعم الدولي لتحسين ظروفهم المعيشية. هناك أمل لدى بعض السوريين أن يسعى ترامب إلى تقديم دعم سياسي واقتصادي أكبر لدول الجوار، في خطوة قد تساعد في تخفيف العبء على الدول المضيفة، وتساهم في تحسين ظروف حياة اللاجئين.
ينتظر السوريون اللاجئون في تركيا، على وجه الخصوص، من الولايات المتحدة توفير قنوات دعم جديدة، سواء من خلال المؤسسات الدولية أو مباشرة، بهدف تحسين ظروفهم اليومية، والتي تزداد صعوبة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلدان المضيفة. يظل هذا الدعم المحتمل أملاً مؤجلاً في أذهان اللاجئين، في وقت يترقبون ما ستؤول إليه سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة في هذا الملف الحساس.
التفاوض على حل سياسي.. أمل مؤجل
رغم أن إدارة ترامب السابقة لم تبذل جهوداً ملموسة لتحقيق حل سياسي شامل في سوريا، إلا أن الظروف الحالية ربما تدفع نحو إعادة النظر في هذا الملف. بعد سنوات من الصراع، بات الوضع الإنساني في سوريا يشكل ضغطاً على المجتمع الدولي، خاصة في ظل تزايد التداعيات الأمنية والاقتصادية للنزاع السوري على المنطقة والعالم. يأمل السوريون أن تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى تحريك المياه الراكدة في هذا الملف، وربما الدخول في مفاوضات جادة تسعى للوصول إلى حل سياسي يضع حداً لمعاناتهم.
ورغم آمال السوريين، يبقى الحذر حاضراً، حيث يُدرك السوريون تعقيد الملف السوري وتشابك المصالح الدولية فيه. من ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن السياسات الأمريكية تجاه سوريا لم تشهد تغييرات كبيرة خلال السنوات الماضية، مما يثير تساؤلات حول مدى واقعية الآمال بتغيير ملحوظ في موقف ترامب تجاه الأزمة السورية.
الانتظار بين الأمل والتساؤلات
السوريون اليوم عالقون بين الأمل والحذر، بانتظار ما ستقدمه إدارة ترامب في الأشهر القادمة. ففي حين يأمل البعض في تحقيق تغييرات إيجابية تُخفف من معاناتهم، يدرك آخرون أن تحقيق الاستقرار قد يتطلب جهوداً دولية أكثر تنسيقاً وتعاوناً. ومع كل الآمال والتوقعات، يبقى واقع الحال مرهوناً بالقرارات التي ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي قد تكون نقطة تحول، أو استمراراً للوضع الراهن.
ولا يزال يعيش ملايين السوريين في المخيمات، تحت خيم تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وسط ظروف قاسية جداً دون أي أمل لمستقبل واضح. يعاني الأطفال في هذه المخيمات من صعوبات كبيرة لمواصلة دراستهم، بينما يضطر آخرون للعمل في سن مبكرة، في أعمال شاقة لا تناسب أعمارهم، فقط لتأمين قوت يومهم. هذه المعاناة اليومية تمثل جزءاً من التحديات التي يواجهها السوريون، بانتظار حلول تُخفف من معاناتهم المستمرة.